معهد فتيات عمر بن عبد العزيز النموذجي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع معهد فتيات عمر بن عبد العزيز النموذجي إعدادي - ثانوي

مصر فوق الجميع
تم بحمد الله حصول المعهد على جودة الاعتماد والتدريب وهو أول معهد أزهري يحصل عليها

    حقيقة البر

    Samia Kotb
    Samia Kotb


    عدد المساهمات : 98
    نقاط : 287
    تاريخ التسجيل : 29/06/2010

    حقيقة البر Empty حقيقة البر

    مُساهمة  Samia Kotb الثلاثاء أبريل 26, 2011 7:44 pm


    عن النواس بن سمعان ـ رضى الله تعالى عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس " رواه مسلم (1).
    وعن وابصة بن معبد ـ رضى الله تعالى عنه ـ قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : "جئت تسأل عن البر ؟ " قلت : نعم ! قال : "استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " حديث حسن صحيح روياه في مسند الإمامين أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن .
    ترجمة الراويين : ـ
    1ـ راوي الحديث الأول هو : النواس بن خالد الكلبي ، وهو من أهل الصفة أقام خارج المدينة المنورة ، ولم يهاجر إليها ، بل كان يفد إليها للسؤال في أمور دينه فحسب ، ولعله قصد عدم الهجرة إلى المدينة ، حتى يتأتى له سؤال النبي في كل مرة يفد فيها عليه ولا يتحرج من ذلك ، وها هو يقول كما جاء في مسلم : (أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة ، ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة ، كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ ، فسألته عن البر والإثم ) ، وصلت مروياته إلى سبعة عشر حديثا .
    2ـ والثاني هو : وابصة بن معبد ـ رضى الله تعالى عنه ـ ، من قبيلة بني أسد ، وكان إسلامه سنة تسع من الهجرة مع عشرة من قومه ، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد وابصة إلى بلاده ، وكان كريما معطاء ، وعاش تسعين سنة .
    سبب ورود الحديث : ـ
    عن وابصة بن معبد قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد ألا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه . فقال لي : "ادن يا وابصة " ، فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته ، فقال : " يا وابصة ، أخبرك ما جئت تسأل عنه وتسألني" فقلت : يا رسول الله أخبرني ، قال : "جئت تسألني عن البر والإثم " قلت : نعم ، فجمع أصابعه الثلاث ، فجعل ينكت بها في صدري ويقول : " يا وابصة ، استفت نفسك ، البر ما اطمأنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في القلب ، وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك " . كما وردت أحاديث أخرى بروايات مختلفة في هذا الشأن ، تدل على أن موضوع الحلال والحرام، أو البر والإثم ، كان يشغل بال الصحابة ـ رضوان الله عليهم جميعا.
    ومن هذه الروايات ما جاء على شرط مسلم من حديث أبي أمامة قال : قال رجل : يا رسول الله ، ما الإثم ؟ قال : "إذا حاك في صدرك شئ فدعه " .وخرج الإمام أحمد من رواية عبد الله بن العلاء بن زيد قال : سمعت أبا ثعلبة الخشني يقول : قلت : يا رسول الله ، أخبرني ما يحل لي وما يحرم على ، قال : "البر ما سكنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ، ولا يطمئن إليه القلب ، وإن أفتاك المفتون " . وعن عبد الرحمن بن معاوية ؛ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ما يحل لي ، وما يحرم علي ؟ وردد عليه ثلاث مرات ، كل ذلك يسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : "أين السائل ؟ " فقال له : أنا يا رسول الله ، فقال بإصبعه : "ما أنكر قلبك فدعه"(2).
    دروس وعبر من كلام سيد البشر
    ـ
    العقائدية : ـ
    جاء وابصة بن معبد ، وهو يكن في نفسه ـ دون أن يخطر أحدا ـ السؤال والبحث عن البر وحقيقته ، والإثم وماهيته ، وبادره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " جئت تسأل عن البر " رغم أن علم ما في الصدور ضرب من خرق حجب الغيب ، ورغم أن المصطفى عليه الصلاة والسلام لم يحادث الرجل ، أو يستطلع عليه قبل ذلك ، ولا شق على قلبه ، إنها معجزة تعزز رصيده الخارق لستار الغيب الذي عززه الله به ونصره ، وتشبه هذه الحادثة إلى حد قريب مجئ عمير الجمحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر الكبرى ، وكان قد أسر ابنه وهب بن عمير الجمحي فيها .
    واتفق أن جلس عمير هذا مع صفوان بن أمية يتذاكران مصاب بدر ، فقال عمير : والله لولا دين على ليس عندي قضاؤه ، وعيال أخشى عليهم الفقر بعدي ، كنت آتي محمدا فأقتله فإن ابني أسير في أيديهم ، فقال صفوان : دينك على وعيالك مع عيالي . فأخذ عمير سيفه ، وشحذه ، وسمه ، وانطلق حتى قدم المدينة ، فبينما عمر مع نفر من المسلمين إذ نظر إلى عمير متوشحا سيفه ، فقال : هذا الكلب عدو الله ما جاء إلا بشر ، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم : هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحا سيفه ، فقال : " أدخله على " . فأخذ عمر بحمائل سيفه ، وأدخله ، فلما رآه عليه السلام قال : "أطلقه يا عمر، ادن يا عمير " ، فدنا ، وقال : انعموا صباحا ، فقال عليه السلام : " قد أبدلنا الله تحية خيرا من تحيتك ، وهي السلام " ، ثم قال : " ما جاء بك يا عمير ؟ " قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه ، قال : "فما بال السيف ؟ " قال : قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت عنا شيئا ؟ قال عليه السلام : " كلا بل قعدت أنت وصفوان في الحجر وقلتما كيت وكيت " ، فأسلم عمير ، وقال : كنا نكذبك بما تأتي به من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحي ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان !! فقال عليه السلام : "فقهوا أخاكم في دينه ، وأقرئوه القرآن ، وأطلقوا أسيره " فعاد عمير إلى مكة وأظهر إسلامه .
    والمعجزة هي السبيل إلى معرفة النبي حيث عرفها الشيخ عبد الله الهروي في كتابه : ( الصراط المستقيم ) بقوله :
    هي أمر خارق للعادة يأتي على وفق دعوي من ادعوا النبوة ، سالم من المعارضة بالمثل .
    فما كان من الأمور عجيبا ولم يكن خارقا للعادة فليس بمعجزة ، وكذلك ما كان خارقا لكنه لم يقترن بدعوى النبوة كالخوارق التي تظهر على أيدي الأولياء أتباع الأنبياء ؛ فإنه ليس بمعجزة بل يسمى كرامة ، وكذلك ليس من المعجزة ما يستطاع معارضته بالمثل كالسحر فإنه يعارض بسحر مثله .
    والمعجزة قسمان : قسم يقع بعد اقتراح من الناس على الذي ادعى النبوة ، وقسم يقع من غير اقتراح .
    مصطلح الحديث : ـ
    خرج الإمام أحمد من حديث ربيعة عن عبد الملك بن سعيدة بن سويد ، وأبي أسيد ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ، وتلين له أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم ، وتنفر عنه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد ، فأنا أبعدكم منه " ، وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوه ، فإني أقول ما يعرف ، ولا ينكر ، فإذا حدثتم عني بحديث تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدقوا به ؛ فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف " .
    ( . . .. . وإنما يحمل مثل هذه الأحاديث على تقدير صحتها على معرفة أئمة أهل الحديث الجهابذة النقاد الذين كثرت دراستهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكلام غيره لحال رواة الأحاديث ونقلة الأخبار ، ومعرفتهم بصدقهم ، وكذبهم ، وضبطهم ، وحفظهم ، فإن هؤلاء لهم نقد خاص في الحديث مختصون بمعرفته كما يختص الصيرفي البصير الحاذق في معرفة الجوهر بإنقاد الجواهر ، وكل من هؤلاء لا يمكن أن يعبر عن سبب معرفته ، ولا يقيم عليه دليلا لغيره ، وآية ذلك أنه يعرض الحديث الواحد على جماعة ممن يعلم هذا العلم فيتفقون على الجواب فيه من غير مواطأة ، وقد امتحن منهم غير هذا مرة في زمن أبي زرعة وأبي حاتم ، فوجد الأمر على ذلك ، فقال السائل : أشهد أن هذا العلم إلهام .
    قال الأعمش : كان إبراهيم النخعي صيرفيا في الحديث ، كنت أسمع من الرجال فأعرض عليهم ما سمعته .
    وقال عمرو بن قيس : ينبغي لصاحب الحديث أن يكون مثل الصيرفي (3) الذي ينقد الدرهم الزائف (4) والبهرج (5) وكذا الحديث .
    وقال الأوزاعي : كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا ، كما نعرض الدرهم الزائف على الصيارفة ، فما عرفوا أخذنا ، وما أنكروا تركنا ، وقيل لعبد الرحمن بن مهدي : إنك تقول للشئ ، هذا يصح ، وهذا لم يثبت ، فعمن تقول ذلك؟ فقال : أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك ، فقال : هذا جيد ، وهذا بهرج ، أكنت تسأله عن ذلك أو تسلم الأمر إليه ؟ قال : لا . بل كنت أسلم الأمر إليه ، فقال : فهذا كذلك لطول المجادلة والمناظرة والخبرية .
    وقد روى نحو هذا المعنى عن الإمام أحمد أيضا ، وأنه قيل له : يا أبا عبد الله تقول : هذا الحديث منكر ، فكيف علمت ولم تكتب الحديث كله ؟
    قال : مثلنا كمثل ناقد العين (6) لم تقع بيده العين كلها ، فإذا وقع بيده الدينار ، يعلم أنه جيد وأنه ردئ .
    وقال ابن مهدي : معرفة الحديث إلهام ، وقال : إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة .
    وقال أبو حاتم الرازي : مثل معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مائة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم ، قال : وكما لا يتهيأ للناقد أن يخبر بسبب نقده ، فكذلك نحن رزقنا علما لا يتهيأ لنا أن نخبر كيف علمنا بأن هذا حديث كذب ، وأن هذا حديث منكر ، إلا بما نعرفه ، قال : ويعرف جودة الدينار بالقياس إلى غيره ، فإن تخلف في الحمرة والصفاء علم أنه مغشوش ، ويعلم جنس الجوهر بالقياس إلى غيره ، فإن خالفه في المائية والصلابة علم أنه زجاج ، ويعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه وأن يكون كلاما يصح مثل أن يكون كلام النبوة ، ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته والله أعلم .
    وأول من اشتهر في الكلام في نقد الحديث : ابن سيرين ، ثم خلفه أيوب السختياني ، وأخذ ذلك عنه شعبة ، وأخذ عن شعبة يحيى القطان وابن مهدي ، وأخذ عنهما أحمد وعلى بن المديني وابن معين ، وأخذ عنهم مثل البخاري وأبي داود ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وكان أبو زرعة في زمانه يقول : من قال يفهم هذا وما أعزه إلا رفعت هذا عن واحد واثنين فما أقل من تجد من يحسن هذا .
    ولما مات أبو زرعة قال أبو حاتم : ذهب الذي كان يحسن هذا المعنى ، يعني أبا زرعة ما بقى بمصر ولا بالعراق واحد يحسن هذا .
    وقيل له بعد موت أبي زرعة : يعرف اليوم واحد يعرف هذا ؟ قال : لا ، وجاء بعد هؤلاء جماعة منهم النسائي والعقيلي وابن عدي والدارقطني ، وقل من جاء بعدهم من هو بارع في معرفة ذلك حتى قال أبو الفرج بن الجوزي في أول كتابه (الموضوعات ) : قل من يفهم هذا بل عدم ، والله أعلم ) (7).
    هذه الآثار وتلك الوقائع تؤكد أن علماء الحديث ورجاله قد حباهم الله بحاسة قوية وروح شفافة ، وشعور مرهف به يميزون بين صحيح الأحاديث وسقيمها ، وفي الغالب لا تخيبهم حواسهم . وإن كان يستحيل استغناؤهم عن الطرق العلمية في تحقيقهم للأحاديث حيث يعتمد عليها علم الحديث بشقيه : دراية ، ورواية .
    وفوق علم الجرح والتعديل ، وعلم علل الحديث ، وغيرها من علوم الحديث المتشعبة كما قال الجازمي : ( يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ مائة كل نوع منها علم مستقل لو أنفق الطالب فيه عمره لما أدرك نهايته ) (Cool . فهناك طرق علمية أخرى يتبعها المحدثون في الكشف عن الموضوع والمكذوب نشير إلى بعض منها :
    1ـ ما يسمى بالنقد الموضوعي : ـ
    أ ـ أن يكون مناقضا لنص القرآن ، والسنة المتواترة ، والإجماع القطعي بحيث يتم عرض الحديث على أصول الدين وقواعد الإسلام الكلية العامة ، فإن خالفها فلا ريب في ضعفه وخلله .
    ب ـ أن يكون الحديث مخالفا لصريح العقل حيث لا يقبل التأويل ، أو ينكره الحس والمشاهدة والعادة .
    فمن المخالف للعقل ما رواه ابن الجوزي من طريق عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم عن أبيه عن جده مرفوعا : "إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا ، وصلت عند المقام ركعتين " (9).
    كما ذكر بعض أهذ هذا الفن أن من أمارات الوضع أن يكون فيه ، وأعطى ثواب نبي أو النبيين ونحوهما .
    2ـ معرفة الأسلوب النبوي ، وذلك بكثرة الممارسة والتجربة وحفظ رصيد هائل من الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة مع حفظ الكثير من الموضوعات في الجانب المقابل ، للتمييز بين الأسلوب النبوي البليغ ، باعتبار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سيد البلاغة ، وأب الفصاحة والبيان من تلفيقات الوضاعين المهملة المضطربة المتميزة بركاكة ألفاظها ، وبساطة معانيها بل وتفاهتها .
    3ـ معرفة الأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية ، وخاصة التي واكبت حركة تدوين السنة النبوية الشريفة؛ حيث نلاحظ الكثير من تلك الأحداث قد فرضت نفسها على بعض كتب السنة الواهية ؛ فزخرت بامتداح مدن الملوك ، والفواكه المحببة إليهم ، وأساليب الترفه ، التي يتعاطونها كالتي جاءت في إطراء الشام والعراق ومصر ، وكذلك الآراء الفقهية والكلامية . . وكذا الفواكه المختلفة كالعنب ، والبطيخ ، والباذنجان . . وسنورد أمثلة لتلك المختلفات :
    ـ قيل لمأمون بن أحمد الهروي : ألا ترى إلى الشافعي ومن يتبعه بخراسان فقال : حدثنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا عبيد الله بن معدان الأزدي ، عن أنس مرفوعا : " يكون في أمتي رجل يقال له : محمد بن إدريس ، ويكون أضر على أمتي من إبليس ، ويكون في أمتي رجل يقال له : أبو حنيفة هو سراج أمتي ، هو سراج أمتي " .
    ـ كما وضع غياث بن إبراهيم للخليفة المهدي حديث : " لا سبق إلا في خف أو حافر ـ فزاد فيه ـ : أو جناح " وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام فتركها وأمر بذبحها وقال له : أشهد أن قفاك قفا كذاب .
    ـ وكحديث : "إن البطيخ ماؤه رحمة ، وحلاوته مثل حلاوة الجنة " .
    ـ وكحديث : " عليكم بالعدس فإنه مبارك ، فإنه يرق له القلب ويكثر الدمعة ، " عليكم بالقرع ، فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ "
    الأصولية : ـ
    اختلفت طوائف من فقهاء الشافعية والحنفية المتكلمين في الإلهام : هل هو حجة أم لا ؟
    فذهبت طائفة إلى أن الكشف ليس بطريق إلى الأحكام ، وأخذه القاضي أبو يعلي من كلام أحمد في ذم المتكلمين في الوساوس والخطرات .
    والإمام أحمد إنما ذم الوسواس والخطرات من الصوفية حيث كان كلامهم في ذلك لا يستند إلى دليل شرعي ، بل إلى مجرد رأي وذوق ، كما كان ينكر الكلام في مسائل الحلال والحرام بمجرد الرأي من غير دليل شرعي.
    وأما الرجوع في الأمور المشتبهة إلى حواز القلوب ، فقد دلت عليه النصوص النبوية وفتاوي الصحابة ، وها هو الإمام أحمد ينص على ذلك أيضا :
    قال المروزي في كتاب ( الورع ) : قلت لأبي عبد الله : إن القطيعة أرفق بي من سائر الأسواق ، وقد وقع في قلبي من أمرها شئ ، فقال : أمرها أمر قذر متلوث ، قلت : فتكره العمل فيها ؟
    قال : دع عنك هذا إن كان لا يقع في قلبك شئ ، قلت : قد وقع في قلبي منها ، فقال : قال ابن مسعود : الإثم حواز القلب . قلت : إنما هذا المشاورة ، قال : أي شئ يقع في قلبك ؟ قلت:قد اضطرب على قلبي ، قال : الإثم هو حواز القلوب(10).
    القضائية : ـ
    القاضي المسلم مهما كانت درجة التزامه ، وورعه ، وعلمه فإنه لا يتحول من بشر إلى ملك ، بل كثيرا ما ترديه بشريته إلى الوقوع في الخطأ ، وقد ينجم عن ذلك الخطأ تأويل محكم كتاب الله ، أو إبطال حكم الله ، ومن ثم ظلم المتقاضي.
    قال معاذ بن جبل : أحذركم زيغة الحكيم ، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلال على لسان الحكيم ، وقد يقول المنافق كلمة الحق . فقيل لمعاذ : ما يدريني أن الحكيم قد يقول كلمة الضلال ، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق ؟ قال : اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال ما هذه ؟ ولا يثنيك ذلك عنه فإنه لعله أن يراجع ، وتلق الحق إن تسمعه فإنه على الحق نور (11) ، فإذا صدرت عنه ـ أي القاضي ـ أحكام تخالف نصا قرآنيا أو سنيا فهي ليست إلزامية .
    الاجتماعية : ـ
    " . . وكرهت أن يطلع عليه الناس " .
    أ ـ المجاهرة بالمعاصي وأخطارها : النفس البشرية عموما بحكم طبيعتها الأصلية تألف الخير وتميل إليه وتحبذه وكأن البشرية تعارفت عليه فسماه الله معروفا .
    كما تتقزز من الشر وتجده خبيثا في نتائجه ، خبيثا في مظاهره وتستهجنه الطبائع السليمة وتستنكره ؛ ولذا سماه القرآن منكرا ، قال تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي} [النحل:90] ، وقال تعالى في صفة الرسول صلى الله عليه وسلم : { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } [ الأعراف : 157].
    هذا إذا لم تضعف تلك الروح الخيرية في المجتمع والتي تعتبر السلطان الرادع لنوازع الشر ن فغالبا ما تختلط الأمور ويتساوى الحسن والقبيح بفعل فلسفات عقيمة وأيدولوجيات حيوانية أرضية كالتي ظهر بها ( دارون ) وأمثاله.
    هناك تضطرب الموازين وتتلاشى القيم وتنطلق الشهوات والنزوات دون أدنى وجل أو حياء ، ويختلط الحابل بالنابل وساعتها على البشرية السلام .
    ب ـ المصادقة " . . . أن يطلع عليه الناس . . . " .
    المراد بالناس : أهل الدين والصلاح الذين لا زالت أنفسهم على فطرتها الأولى ، أما الفساق فهم إخوان الشياطين همهم تزيين القبيح والتنفير من الحسن ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } [ النور :21] ، هذا شأن إبليس وهو هو شأن أتباعه وعباده { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف } [ التوبة : 67]
    وعليه فيجب على الوالد أن يتخير لولده الأصدقاء ، ويجنبه أصدقاء السوء ؛ لما للمصاحبة من دور خطير في أخلاق الأبناء ، وأثر بين في سلوكياتهم ، كما يجب على المؤمن أن يلتمس فيمن يصادق الإيمان والأخلاق الكريمة ، ورحم الله من قال :
    لا تسأل عن المرء وسل عن قرينه إن القرين بالمقارن يقتدى
    وفي هذا المعنى الحديث النبوي : " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل (12).
    وقريب منه ما جاء في منظومة ابن عاشر في معرض حديثه عن تزكية النفس :
    يصحب شيخا عارف المسالك يقيه في طريقه المهالك
    يذكره الله إذا رآه ويوصل العبد إلى مولاه
    وأراني في حل الآن من توضيح الإشكال الذي تعمده البعض في بيان معنى ما سبق ، ولكن الذي يستحق التذكير هو التحرز والابتعاد ممن تنسى معرفتهم شرع الله ، وكثير ما هم .
    النفسية : ـ
    " البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب . . " .
    حقا إنك لتجد النفس هادئة ليس لها ما ينفرها أو يزعجها حين تكون المبرات والأفعال الخيرية ، وتتهلل لها ؛ لأنها تتوافق مع ما خلقت له وما طبعت عليه ، وبعد هذا الاطمئنان يأتي ركون القلب واطمئنانه ، ولذا كان النداء الرباني : { يا أيتها النفس المطمئنة . ارجعي إلى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي . وادخلي جنتي } [ الفجر : 27ـ 30 ] .
    أما إذا خامر القلب إثم ، فإنه سيتحرج ويضطرب لاضطراب دوافع الخير وتصارعها مع نوازع الشر ، ويحمي الوطيس بينهما حتى تغلب إحداهما الأخرى ، فإن كانت الغلبة لقوى الخير انشرح الصدر ، وإلا فإن صاحبها ـ وإن غلب عليه الشر ـ يكون له وقت تصفو فيه نفسه بعد إقدامه على جريمته ، وتنجلي غمامة الشر ، وتبرد نيران الغضب ، وتهدأ عواصف الأنانية والانتقام والبغي مهما غالط الإنسان نفسه فإنها تؤنبه على فعلته حتى وإن انفلت من جميع الروادع الخارجية والزواجر المادية ، فإنه لن يستطيع التهرب أبدا من ضيق الصدر وانقباض النفس والأرق والقلق ، ويظل شبح الجريمة يلاحقه آناء الليل وأطراف النهار ولا يفلته أبدا حتى إننا رأينا من يقوم منزعجا وجلا ترتعد فرائصه من حلم متكرر يرى فيه جريمته ، وربما تمثلها في يقظته ، وقد تؤدي تلك الحال إلى الهوس والجنون ـ والعياذ بالله ـ أما كان يكفي هؤلاء ميزانا لتصرفاتهم قول النبي الكريم : "والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر " ؟ !
    الأخلاقية : ـ
    " . . . البر حسن الخلق . . " .
    الأخلاق في الفلسفات الأرضية مهما كانت منطلقاتها عرجاء ؛ لأنها تنظر إلى الأخلاق من زاوية واحدة محدودة ومن جانب أرضي آني قاصر . بينما عدد القرآن الكريم مظاهرها وبين أسسها وقواعدها ؛ فالأخلاق في الإسلام ليست مدينة أفلاطونية خيالية ، بل هي مبادئ سامية جسدها في الواقع العملي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقد وصفه ربه قبل زوجته بقوله : { وإنك لعلى خلق عظيم } [القلم : 4 ] : وقالت عائشة في معرض حديثها الشيق عنه صلى الله عليه وسلم : كان خلقه القرآن .
    وتقوم الأخلاق الإسلامية على ثلاثة محاور :
    أ ـ التخلق مع رب الكون بالإيمان به وحمده على نعمه وامتثال شريعته.
    ب ـ التخلق مع المخلوقين بفعل الخير أو حتى بمحبته لهم وكف الأذى عنهم.
    ج ـ التخلق مع النفس بقيادتها إلى ما يرضي ربها ، وعدم إلقائها في التهلكة ، ولقد جمعت أصول الأخلاق الآيات الواردة في سورة البقرة { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } [ البقرة :177] إلا أن بر الوالدين يتقدم البر بالمخلوقين عموما لما للآباء من فضل على الأبناء .
    فقه الدعوة
    ـ
    كثيرا ما يتراجع بعض العاملين في حقل الدعوة على بعض الأحكام الشرعية ، وأعني بها على الخصوص الرخص التي منحها لنا الله وحبانا بها أمام تردد في النفس، أو ضيق في صدور العامة والجهال منهم بالذات .
    ولكن يجب على الداعية ألا يلتفت إلا شئ من ذلك ، ما دام بين يديه الدليل الشرعي ، ولا يتباطأ في العمل والفتيا به كقصر الصلاة في السفر ، والفطر في السفر ، والمرض ونحوها .
    ومن المؤسف حقا أننا نجد من يحكم رأيه في حكم القصر في رمضان ، فيذهب إلى حد الاستغناء عن هذه الرخصة بالمرة ، والعدول عنها بحجة أن وسائل السفر اليوم هي غير تلك التي كانت تلحق من جرائها المشاق ، ولكن هؤلاء جهلوا أن علة القصر ليست الإتعاب بل مجرد السفر.
    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بما لا تنشرح به صدور بعضهم فيحجمون ، اندهاشا وتثبتا لا عصيانا وتعنتا ، كما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فكرهه من كرهه منهم .
    وكما أمرهم بنحر هديهم والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوا الرجوع بلا عمرة . وكرهوا مفاوضته لقريش على أن يرجع من عامه ، وعلى رد من أتاه منهم فارا بدينه إليهم .
    إذا ما ورد فيه نص فليس للمؤمن إلا الامتثال { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } [ الأحزاب :36] ، وينبغي أن نتلقى ذلك بانشراح في الصدر ، وطمأنينة في النفس ، قال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } [ النساء : 65] .
    تطبيق
    ـ
    1ـ انحصر مفهوم البر لدى الكثير من المسلمين في ركعات يؤديها اعتياديا ، ويقيس بها إيمانه وصلاحه : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} [ البقرة :177] .
    وأما من الناحية الاجتماعية ، فلقد أصبح المسلم سلبيا إلى أبعد الحدود ، حتى ارتسم في أذهاننا الفارق بين العربي ، ولا أقول : المسلم ، والأوربي هو فارق بين الجد والكسل ، وهو الفارق بين الأمانة والخيانة ، وبين الصدق والكذب . . وهلم جرا .
    2ـ لقد أصبح الإثم اليوم هو البضاعة المشاعة المعلن عنها بالوسائل الإعلامية والتشهيرية ، واطلع عليه العاقل والجاهل والصغير والكبير الكل يرى ، والجل يعيش ويرتع ولا رادع ، ألا هل من رادع لهذه القبل المحمومة ، والحركات المثيرة ، والآهات المغرية بالأفلام والمسارح والأندية . . . و . . . و . . ؟ ! ألا هل من حام لأموال المسلمين المسلوبة ، وأعراضهم المهتوكة ، والمقدسات المغصوبة أمام الله والناس والأعراف . والقوانين ، والهيئات ، والمنظمات ، والنداءات ، والاحتجاجات ؟!
    3ـ قل حياء بعض فراح يتحايل على الله لا على أهل الفتوىـ في حقيقة الأمر ـ لدى استفساراته واستفتاءاته حتى يجد مصوغا يدلف منه إلى الحلال ، وهو معفر بالحرام ، وإنك لتجد هذا فيمن يبحثون عن أحكام الطلاق خاصة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

    [b]

    المراجع والهوامش
    ـ
    1ـ البر : بكسر الباء كلمة جامعة لجميع أفعال الخير ، ويطلق البر باعتبارين : أحدهما : باعتبار معاملة الخلق بالإحسان إليهم ، والثاني : أن يراد به فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة .
    حسن الخلق : يطلق على التخلق بالأخلاق المحمودة شرعا ، ويطلق على طلاقة الوجه .
    الإثم : المعصية .
    ما حاك : أي تردد .
    وكرهت أن يطلع : أي يراه الناس ويعلموه .
    الناس : أي أهل الدين والصلاح .
    جئت : على تقدير همزة الاستفهام ، وهو استفهام تقريري.
    استفت قلبك : أي ارجع إلى قلبك الطاهر وضميرك الحي.
    اطمأنت إليه النفس : أي سكونها وعدم انزعاجها.
    اطمأن إليه القلب : سكونه أيضا .
    وتردد في الصدر : أي لم ينشرح إليه الصدر.
    أفتاك الناس : بأنه ليس إثما .
    الناس : أهل العلم والمعرفة الذين من شأنهم أن يسألوا .
    وأفتوك : أي مجتمعين .
    2ـ خرجه أبو القاسم البغوي في معجمه .
    3ـ الصيرفي : المحتال في الأمور كالصيرفي وهو صراف الدراهم .
    4ـ صارت الدراهم زيوفا : مردودة لغش فيها ، يقال : درهم زيف وزائف : ردئ.
    5ـ البهرج : الباطل الردئ .
    6ـ العين : الدينار والذهب ، وذات الشئ ، والربا ، والسيل .
    7ـ جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم ، لأبي الفرج البغدادي ص 241 ـ 243 ، ط : دار المعارف .
    8ـ شرح صحيح مسلم للنووي ، المطبعة المصرية بالقاهرة 1/4.
    9ـ تدريب الراوي ص 181.
    10ـ قال صاحب القاموس : وحواز القلوب في حديث ابن مسعود ما يجوزها ويغلبها حتى تركب ما لا تحب ، ويروي : حزاز ، جمع حازة : وهي الأمور التي تحز في القلوب وتحرك وتؤثر ويتخالج فيها أن تكون معاصي لفقد الطمأنينة إليها .اهـ.
    11ـ أخرجه أبو داود .
    12ـ أخرجه الترمذي .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 08, 2024 10:33 pm