تفسير الإمام النسفى لجزء عم المقرر على 1/ث علمى وادبى
سورة النبأ
مكية وهي أربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{ عَمَّ } أصله " عن ما " وقرىء بها ، ثم أدغمت النون في الميم فصار " عما " وقرىء بها ، ثم حذفت الألف تخفيفاً لكثرة الاستعمال في الاستفهام وعليه الاستعمال الكثير ، وهذا استفهام تفخيم للمستفهم عنه لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية { يَتَسَآءَلُونَ } يسأل بعضهم بعضاً أو يسألون غيرهم من المؤمنين ، والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ويسألون المؤمنين عنه على طريق الاستهزاء { عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } [النبأ : 2] أي البعث وهو بيان للشأن المفخم وتقديره : عم يتساءلون يتساءلون عن النبإ العظيم { الَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } [النبأ : 3] فمنهم من يقطع بإنكاره ومنهم من يشك.
وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين وكانوا جيعاً يتساءلون عنه ، فالمسلم يسأل ليزداد خشية ، والكافر يسأل استهزاء { كَلا } ردع عن الاختلاف أو التساؤل هزؤاً { سَيَعْلَمُونَ } وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون عياناً أن ما يستاءلون عنه حق { ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ } [النبأ : 5] كرر الردع للتشديد و " ثم " يشعر بأن الثاني أبلغ من الأول وأشد.
جزء : 4 رقم الصفحة : 476
{ أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ } [المرسلات : 25] لما أنكروا البعث.
قيل لهم : ألم يخلق من أضيف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة فلم تنكرون قدرته على البعث وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات؟ أو قيل لهم : لم فعل هذه الأشياء والحكيم لا يفعل عبثاً وإنكار
476
البعث يؤدي إلى أنه عابث في كل ما فعل؟ { مِهَـادًا } فراشاً فرشناها لكم حتى سكنتموها { وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } [النبأ : 7] للأرض لئلا تيمد بكم { وَخَلَقْنَـاكُمْ أَزْوَاجًا } [النبأ : 8] ذكر أو أنثى { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } [النبأ : 9] قطعاً لأعمالكم وراحة لأبدانكم والسبت القطع { وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاسًا } [النبأ : 10] ستراً يستركم عن العيون إذا أردتم إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه { وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا } وقت معاش تتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا } [النبأ : 12] سبع سموات { شِدَادًا } جمع شديدة أي محكمة قوية لا يؤثّر فيها مرور الزمان أو غلاظاً غلظ كل واحدة مسيرة خمسمائة عام { وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا } [النبأ : 13] مضيئاً وقّاداً أي جامعاً للنور والحرارة والمراد الشمس { وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ } [النبأ : 14] أي السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر ، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض ، أو الرياح لأنها تنشىء السحاب وتدر أحلافه فيصح أن تجعل مبدأ للإنزال ، وقد جاء أن الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب { مَآءً ثَجَّاجًا } [النبأ : 14] منصباً بكثرة { لِّنُخْرِجَ بِهِ } [النبأ : 15] بالماء { حَبًّا } كالبر والشعير { وَنَبَاتًا } وكلأ { وَجَنَّـاتٍ } بساتين { أَلْفَافًا } ملتفة الأشجار واحدها لف كجذع وأجذاع ، أو لفيف كشريف وأشراف ، أو لا واحد له كأوزاع ، أو هي جمع الجمع فهي جمع لف واللف جمع لفاء وهي شجرة مجتمعة.
ولا وقف من { أَلَمْ نَجْعَلِ } [المرسلات : 25] إلى { أَلْفَافًا } الوقف الضروري على { أَوْتَادًا } و { مَعَاشًا } .
{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ } [النبأ : 17] بين المحسن والمسيء والمحق والمبطل { كَانَ مِيقَـاتًا } [النبأ : 17] وقتاً محدوداً ومنتهى معلوماً لوقوع الجزاء أو ميعاداً للثواب والعقاب.
جزء : 4 رقم الصفحة : 476
(4/252)
{ يَوْمَ يُنفَخُ } [الأنعام : 73] بدل من { يَوْمُ الْفَصْلِ } [المرسلات : 14] أو عطف بيان { فِى الصُّورِ } [ق : 20] في القرن { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا } [النبأ : 18] حال أي جماعات مختلفة أو أمماً كل أمة مع رسولها { وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ } [النبأ : 19] خفيف : كوفي أي شقت لنزول الملائكة { فَكَانَتْ أَبْوَابًا } [النبأ : 19] فصارت ذات أبواب وطرق وفروج
477
ومالها اليوم من فروج { وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ } [النبأ : 20] عن وجه الأرض { فَكَانَتْ سَرَابًا } [النبأ : 20] أي هباء تخيّل الشمس أنه ماء { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا } [النبأ : 21] طريقاً عليه ممر الخلق فالمؤمن يمر عليها والكافر يدخلها.
وقيل : المرصاد الحد الذي يكون فيه الرصد أي هي حد الطاغين الذين يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم ، أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها لأن مجازهم عليها { لِّلطَّـاغِينَ مَـاَابًا } [النبأ : 22] للكافرين مرجعاً { لَّـابِثِينَ } ماكثين حال مقدرة من الضمير في { لِلطَّـاغِينَ } حمزة { لَّـابِثِينَ } واللبث أقوى إذ اللابث من وجد منه اللبث وإن قل ، واللبث من شأنه اللبث والمقام في المكان { فِيهَآ } في جهنم { أَحْقَابًا } ظرف جمع حقب وهو الدهر ولم يرد به عدد محصور بل الأبد كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية ، ولا يستعمل الحقب والحقبة إلا إذا أريد تتابع الأزمنة وتواليها.
وقيل : الحقب ثمانون سنة.
وسئل بعض العلماء عن هذه الآية فأجاب بعد عشرين سنة { لَّـابِثِينَ فِيهَآ أَحْقَابًا } [النبأ : 23].
جزء : 4 رقم الصفحة : 476
{ لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا } [النبأ : 24] أي غير ذائقين حال من ضمير { لَّـابِثِينَ } فإذا انقضت هذه الأحقاب التي عذبوا فيها بمنع البرد والشراب بدلوا بأحقاب أخر فيها عذاب آخر وهي أحقاب بعد أحقاب لا انقطاع لها.
وقيل : هو من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره ، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه حقاب فينتصب حالاً عنهم أي لابثين فيها حقبين جهدين و { لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا } [النبأ : 24] تفسير له.
وقوله { إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } [النبأ : 25] استثناء منقطع أي { لا يَذُوقُونَ } [النبأ : 24] في جهنم أو في الأحقاب { بَرْدًا } روحاً ينفس عنهم حر النار أو نوماً ومنه منع البرد البرد ، { وَلا شَرَابًا } [النبأ : 24] يسكن عطشهم ولكن يذوقون فيها حميماً ماء حاراً يحرق ما يأتي عليه { وَغَسَّاقًا } ماء يسيل من صديدهم.
وبالتشديد : كوفي غير أبي بكر { جَزَآءُ } جوزوا جزاء { وِفَاقًا } موافقاً لأعمالهم مصدر بمعنى الصفة أو ذا وفاق.
ثم استأنف معللاً فقال { إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا } [النبأ : 27] لا يخافون
478
محاسبة الله إياهم أو لم يؤمنوا بالبعث فيرجوا حساباً { وَكَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا كِذَّابًا } [النبأ : 28] تكذيباً وفعّال في باب فعّل كله فاش { وَكُلَّ شَىْءٍ } [يس : 12] نصب بمضمر يفسره { أَحْصَيْنَـاهُ كِتَـابًا } [النبأ : 29] مكتوباً في اللوح حال أو مصدر في موضع إحصاء ، أو أحصيناً في معنى كتبنا لأن الاحصاء يكون بالكتابة غالباً.
وهذه الآية اعتراض لأن قوله { فَذُوقُوا } مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات أي فذوقوا جزاءكم والالتفات شاهد على شدة الغضب { فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا } [النبأ : 30] في الحديث " هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار " .
جزء : 4 رقم الصفحة : 476
{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا } [النبأ : 31] مفعل من الفوز يصلح مصدراً أي نجاة من كل مكروه وظفراً بكل محبوب ويصلح للمكان وهو الجنة.
ثم أبدل منه بدل البعض من الكل فقال { حَدَآ ـاِقَ } بساتين فيها أنواع الشجر المثمر جمع حديقة { وَأَعْنَـابًا } كروماً عطف على { حَدَآ ـاِقَ } { وَكَوَاعِبَ } نواهد { أَتْرَابًا } لدات مستويات في السن { وَكَأْسًا دِهَاقًا } [النبأ : 34] مملوءة.
جزء : 4 رقم الصفحة : 479
(4/253)
{ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا } [مريم : 62] في الجنة حال من ضمير خبر " إن " { لَغْوًا } باطلاً { وَلا كِذاَّبًا } [النبأ : 35] الكسائي : خفيف بمعنى مكاذبة أي لا يكذب بعضهم بعضاً ولا يكاذبه { جَزَآءُ } مصدر أي جزاهم جزاء { مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً } [النبأ : 36] مصدر أو بدل من { جَزَآءُ } { حِسَابًا } صفة يعني كافياً أو على حسب أعمالهم { رَّبِّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَـانِ } [النبأ : 37] بجرهما : ابن عامر وعاصم بدلاً من { رَبَّكَ } ومن رفعهما فـ { رَبِّ } خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره { الرَّحْمَـانُ } أو { الرَّحْمَـانُ } صفته و { لا يَمْلِكُونَ } [مريم : 87] خبر ، أو هما خبران والضمير في { لا يَمْلِكُونَ } [مريم : 87] لأهل السماوات والأرض ، وفي { مِنْهُ خِطَابًا } [النبأ : 37] لله تعالى أي لا يملكون الشفاعة من عذابه تعالى إلا بإذنه أو لا يقدر أحد أن يخاطبه تعالى خوفاً { يَوْمَ يَقُومُ } [إبراهيم : 41] إن جعلته
479
ظرفاً لـ { لا يَمْلِكُونَ } [مريم : 87] لا تقف على { خِطَابًا } وإن جعلته ظرفاً لـ { لا يَتَكَلَّمُونَ } [النبأ : 38] تقف { الرُّوحُ } جبريل عند الجمهور وقيل هو ملك عظيم ما خلق الله تعالى بعد العرش خلقاً أعظم منه { وَالْمَلَـائكَةُ صَفًّا } [النبأ : 38] حال أي مصطفين { لا يَتَكَلَّمُونَ } [النبأ : 38] أي الخلائق ثم خوفاً من { إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ } [طه : 109] في الكلام أو في الشفاعة { وَقَالَ صَوَابًا } [النبأ : 38] حقاً بأن قال المشفوع له لا إله إلا الله في الدنيا أو لا يؤذن إلا لمن يتكلم بالصواب في أمر الشفاعة.
{ ذَالِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ } [النبأ : 39] الثابت وقوعه { فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَـاَابًا } [النبأ : 39] مرجعاً بالعمل الصالح { إِنَّآ أَنذَرْنَـاكُمْ } [النبأ : 40] أيها الكفار { عَذَابًا قَرِيبًا } [النبأ : 40] في الآخرة لأن ما هو آتٍ قريب { يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ } [النبأ : 40] الكافر لقوله : { إِنَّآ أَنذَرْنَـاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا } [النبأ : 40] { مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } [الكهف : 57] من الشر لقوله : { وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } (آل عمران : 281).
وتخصيص الأيدي لأن أكثر الأعمال تقع بها وإن احتمل أن لا يكون للأيدي مدخل فيما ارتكب من الآثام { وَيَقُولُ الْكَافِرُ } [النبأ : 40] وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة الذم ، أو المرء عام وخص منه الكافر وما قدمت يداه ما عمل من خير وشر ، أو هو المؤمن لذكر الكافر بعده وما قدم من خير.
و " ما " استفهامية منصوبة بـ { قَدَّمْتُ } أي ينظر أي شيء قدمت يداه ، أو موصولة منصوبة بـ { يَنظُرُ } يقال : نظرته يعني نظرت إليه والراجع من الصلة محذوف أي ما قدمته { الْكَافِرُ يَـالَيْتَنِى كُنتُ تُرَابَا } في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف أوليتني كنت تراباً في هذا اليوم فلم أبعث.
وقيل : يحشر الله الحيوان غير المكلف حتى يقتص للجماء من القرناء ثم يرده تراباً ، فيود الكافر حاله.
وقيل : الكافر إبليس يتمنى أن يكون كآدم مخلوقاً من التراب ليثاب ثواب أولاده المؤمنين
ملحوظة :ـ هذا تفسير للإمام النسفى فى جزء عم وعلى الطلاب مراجعة كتب المعهد لمعرفة التطابق بين المنهج وهذا التفسير
سورة النبأ
مكية وهي أربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{ عَمَّ } أصله " عن ما " وقرىء بها ، ثم أدغمت النون في الميم فصار " عما " وقرىء بها ، ثم حذفت الألف تخفيفاً لكثرة الاستعمال في الاستفهام وعليه الاستعمال الكثير ، وهذا استفهام تفخيم للمستفهم عنه لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية { يَتَسَآءَلُونَ } يسأل بعضهم بعضاً أو يسألون غيرهم من المؤمنين ، والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ويسألون المؤمنين عنه على طريق الاستهزاء { عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } [النبأ : 2] أي البعث وهو بيان للشأن المفخم وتقديره : عم يتساءلون يتساءلون عن النبإ العظيم { الَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } [النبأ : 3] فمنهم من يقطع بإنكاره ومنهم من يشك.
وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين وكانوا جيعاً يتساءلون عنه ، فالمسلم يسأل ليزداد خشية ، والكافر يسأل استهزاء { كَلا } ردع عن الاختلاف أو التساؤل هزؤاً { سَيَعْلَمُونَ } وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون عياناً أن ما يستاءلون عنه حق { ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ } [النبأ : 5] كرر الردع للتشديد و " ثم " يشعر بأن الثاني أبلغ من الأول وأشد.
جزء : 4 رقم الصفحة : 476
{ أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ } [المرسلات : 25] لما أنكروا البعث.
قيل لهم : ألم يخلق من أضيف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة فلم تنكرون قدرته على البعث وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات؟ أو قيل لهم : لم فعل هذه الأشياء والحكيم لا يفعل عبثاً وإنكار
476
البعث يؤدي إلى أنه عابث في كل ما فعل؟ { مِهَـادًا } فراشاً فرشناها لكم حتى سكنتموها { وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } [النبأ : 7] للأرض لئلا تيمد بكم { وَخَلَقْنَـاكُمْ أَزْوَاجًا } [النبأ : 8] ذكر أو أنثى { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا } [النبأ : 9] قطعاً لأعمالكم وراحة لأبدانكم والسبت القطع { وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاسًا } [النبأ : 10] ستراً يستركم عن العيون إذا أردتم إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه { وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا } وقت معاش تتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا } [النبأ : 12] سبع سموات { شِدَادًا } جمع شديدة أي محكمة قوية لا يؤثّر فيها مرور الزمان أو غلاظاً غلظ كل واحدة مسيرة خمسمائة عام { وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا } [النبأ : 13] مضيئاً وقّاداً أي جامعاً للنور والحرارة والمراد الشمس { وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ } [النبأ : 14] أي السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر ، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض ، أو الرياح لأنها تنشىء السحاب وتدر أحلافه فيصح أن تجعل مبدأ للإنزال ، وقد جاء أن الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب { مَآءً ثَجَّاجًا } [النبأ : 14] منصباً بكثرة { لِّنُخْرِجَ بِهِ } [النبأ : 15] بالماء { حَبًّا } كالبر والشعير { وَنَبَاتًا } وكلأ { وَجَنَّـاتٍ } بساتين { أَلْفَافًا } ملتفة الأشجار واحدها لف كجذع وأجذاع ، أو لفيف كشريف وأشراف ، أو لا واحد له كأوزاع ، أو هي جمع الجمع فهي جمع لف واللف جمع لفاء وهي شجرة مجتمعة.
ولا وقف من { أَلَمْ نَجْعَلِ } [المرسلات : 25] إلى { أَلْفَافًا } الوقف الضروري على { أَوْتَادًا } و { مَعَاشًا } .
{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ } [النبأ : 17] بين المحسن والمسيء والمحق والمبطل { كَانَ مِيقَـاتًا } [النبأ : 17] وقتاً محدوداً ومنتهى معلوماً لوقوع الجزاء أو ميعاداً للثواب والعقاب.
جزء : 4 رقم الصفحة : 476
(4/252)
{ يَوْمَ يُنفَخُ } [الأنعام : 73] بدل من { يَوْمُ الْفَصْلِ } [المرسلات : 14] أو عطف بيان { فِى الصُّورِ } [ق : 20] في القرن { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا } [النبأ : 18] حال أي جماعات مختلفة أو أمماً كل أمة مع رسولها { وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ } [النبأ : 19] خفيف : كوفي أي شقت لنزول الملائكة { فَكَانَتْ أَبْوَابًا } [النبأ : 19] فصارت ذات أبواب وطرق وفروج
477
ومالها اليوم من فروج { وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ } [النبأ : 20] عن وجه الأرض { فَكَانَتْ سَرَابًا } [النبأ : 20] أي هباء تخيّل الشمس أنه ماء { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا } [النبأ : 21] طريقاً عليه ممر الخلق فالمؤمن يمر عليها والكافر يدخلها.
وقيل : المرصاد الحد الذي يكون فيه الرصد أي هي حد الطاغين الذين يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم ، أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها لأن مجازهم عليها { لِّلطَّـاغِينَ مَـاَابًا } [النبأ : 22] للكافرين مرجعاً { لَّـابِثِينَ } ماكثين حال مقدرة من الضمير في { لِلطَّـاغِينَ } حمزة { لَّـابِثِينَ } واللبث أقوى إذ اللابث من وجد منه اللبث وإن قل ، واللبث من شأنه اللبث والمقام في المكان { فِيهَآ } في جهنم { أَحْقَابًا } ظرف جمع حقب وهو الدهر ولم يرد به عدد محصور بل الأبد كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية ، ولا يستعمل الحقب والحقبة إلا إذا أريد تتابع الأزمنة وتواليها.
وقيل : الحقب ثمانون سنة.
وسئل بعض العلماء عن هذه الآية فأجاب بعد عشرين سنة { لَّـابِثِينَ فِيهَآ أَحْقَابًا } [النبأ : 23].
جزء : 4 رقم الصفحة : 476
{ لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا } [النبأ : 24] أي غير ذائقين حال من ضمير { لَّـابِثِينَ } فإذا انقضت هذه الأحقاب التي عذبوا فيها بمنع البرد والشراب بدلوا بأحقاب أخر فيها عذاب آخر وهي أحقاب بعد أحقاب لا انقطاع لها.
وقيل : هو من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره ، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه حقاب فينتصب حالاً عنهم أي لابثين فيها حقبين جهدين و { لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا } [النبأ : 24] تفسير له.
وقوله { إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } [النبأ : 25] استثناء منقطع أي { لا يَذُوقُونَ } [النبأ : 24] في جهنم أو في الأحقاب { بَرْدًا } روحاً ينفس عنهم حر النار أو نوماً ومنه منع البرد البرد ، { وَلا شَرَابًا } [النبأ : 24] يسكن عطشهم ولكن يذوقون فيها حميماً ماء حاراً يحرق ما يأتي عليه { وَغَسَّاقًا } ماء يسيل من صديدهم.
وبالتشديد : كوفي غير أبي بكر { جَزَآءُ } جوزوا جزاء { وِفَاقًا } موافقاً لأعمالهم مصدر بمعنى الصفة أو ذا وفاق.
ثم استأنف معللاً فقال { إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا } [النبأ : 27] لا يخافون
478
محاسبة الله إياهم أو لم يؤمنوا بالبعث فيرجوا حساباً { وَكَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا كِذَّابًا } [النبأ : 28] تكذيباً وفعّال في باب فعّل كله فاش { وَكُلَّ شَىْءٍ } [يس : 12] نصب بمضمر يفسره { أَحْصَيْنَـاهُ كِتَـابًا } [النبأ : 29] مكتوباً في اللوح حال أو مصدر في موضع إحصاء ، أو أحصيناً في معنى كتبنا لأن الاحصاء يكون بالكتابة غالباً.
وهذه الآية اعتراض لأن قوله { فَذُوقُوا } مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات أي فذوقوا جزاءكم والالتفات شاهد على شدة الغضب { فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا } [النبأ : 30] في الحديث " هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار " .
جزء : 4 رقم الصفحة : 476
{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا } [النبأ : 31] مفعل من الفوز يصلح مصدراً أي نجاة من كل مكروه وظفراً بكل محبوب ويصلح للمكان وهو الجنة.
ثم أبدل منه بدل البعض من الكل فقال { حَدَآ ـاِقَ } بساتين فيها أنواع الشجر المثمر جمع حديقة { وَأَعْنَـابًا } كروماً عطف على { حَدَآ ـاِقَ } { وَكَوَاعِبَ } نواهد { أَتْرَابًا } لدات مستويات في السن { وَكَأْسًا دِهَاقًا } [النبأ : 34] مملوءة.
جزء : 4 رقم الصفحة : 479
(4/253)
{ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا } [مريم : 62] في الجنة حال من ضمير خبر " إن " { لَغْوًا } باطلاً { وَلا كِذاَّبًا } [النبأ : 35] الكسائي : خفيف بمعنى مكاذبة أي لا يكذب بعضهم بعضاً ولا يكاذبه { جَزَآءُ } مصدر أي جزاهم جزاء { مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً } [النبأ : 36] مصدر أو بدل من { جَزَآءُ } { حِسَابًا } صفة يعني كافياً أو على حسب أعمالهم { رَّبِّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَـانِ } [النبأ : 37] بجرهما : ابن عامر وعاصم بدلاً من { رَبَّكَ } ومن رفعهما فـ { رَبِّ } خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره { الرَّحْمَـانُ } أو { الرَّحْمَـانُ } صفته و { لا يَمْلِكُونَ } [مريم : 87] خبر ، أو هما خبران والضمير في { لا يَمْلِكُونَ } [مريم : 87] لأهل السماوات والأرض ، وفي { مِنْهُ خِطَابًا } [النبأ : 37] لله تعالى أي لا يملكون الشفاعة من عذابه تعالى إلا بإذنه أو لا يقدر أحد أن يخاطبه تعالى خوفاً { يَوْمَ يَقُومُ } [إبراهيم : 41] إن جعلته
479
ظرفاً لـ { لا يَمْلِكُونَ } [مريم : 87] لا تقف على { خِطَابًا } وإن جعلته ظرفاً لـ { لا يَتَكَلَّمُونَ } [النبأ : 38] تقف { الرُّوحُ } جبريل عند الجمهور وقيل هو ملك عظيم ما خلق الله تعالى بعد العرش خلقاً أعظم منه { وَالْمَلَـائكَةُ صَفًّا } [النبأ : 38] حال أي مصطفين { لا يَتَكَلَّمُونَ } [النبأ : 38] أي الخلائق ثم خوفاً من { إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ } [طه : 109] في الكلام أو في الشفاعة { وَقَالَ صَوَابًا } [النبأ : 38] حقاً بأن قال المشفوع له لا إله إلا الله في الدنيا أو لا يؤذن إلا لمن يتكلم بالصواب في أمر الشفاعة.
{ ذَالِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ } [النبأ : 39] الثابت وقوعه { فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَـاَابًا } [النبأ : 39] مرجعاً بالعمل الصالح { إِنَّآ أَنذَرْنَـاكُمْ } [النبأ : 40] أيها الكفار { عَذَابًا قَرِيبًا } [النبأ : 40] في الآخرة لأن ما هو آتٍ قريب { يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ } [النبأ : 40] الكافر لقوله : { إِنَّآ أَنذَرْنَـاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا } [النبأ : 40] { مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } [الكهف : 57] من الشر لقوله : { وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } (آل عمران : 281).
وتخصيص الأيدي لأن أكثر الأعمال تقع بها وإن احتمل أن لا يكون للأيدي مدخل فيما ارتكب من الآثام { وَيَقُولُ الْكَافِرُ } [النبأ : 40] وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة الذم ، أو المرء عام وخص منه الكافر وما قدمت يداه ما عمل من خير وشر ، أو هو المؤمن لذكر الكافر بعده وما قدم من خير.
و " ما " استفهامية منصوبة بـ { قَدَّمْتُ } أي ينظر أي شيء قدمت يداه ، أو موصولة منصوبة بـ { يَنظُرُ } يقال : نظرته يعني نظرت إليه والراجع من الصلة محذوف أي ما قدمته { الْكَافِرُ يَـالَيْتَنِى كُنتُ تُرَابَا } في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف أوليتني كنت تراباً في هذا اليوم فلم أبعث.
وقيل : يحشر الله الحيوان غير المكلف حتى يقتص للجماء من القرناء ثم يرده تراباً ، فيود الكافر حاله.
وقيل : الكافر إبليس يتمنى أن يكون كآدم مخلوقاً من التراب ليثاب ثواب أولاده المؤمنين
ملحوظة :ـ هذا تفسير للإمام النسفى فى جزء عم وعلى الطلاب مراجعة كتب المعهد لمعرفة التطابق بين المنهج وهذا التفسير