الأزهر الشريف
الإدارة المركزية لمنطقة الأزهر الإسماعيلية
معهد فتيات عمر بن عبدالعزيز النموذجي
إعدادي - ثانوي
الغضب وعلاجة
من السنة النبوية
الأخصائية النفسية
ولاء حسن علي ابراهيم
المقدمــة
الحمد لله الحليم التواب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خير من صلى وصام وتاب وأناب، وعلى الآل والأصحاب، والتابعين ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم المآب،
أما بعد:
فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، ثم جعل فيه نفسًا، وأودع في هذه النفس غرائز كثيرة، وجعل لهذه الغرائز وظائف ومهمات، لبقاء الإنسان وتمكنه من القيام بما يجب القيام به من الأعمال، وحكمة الله تعالى في هذه الغرائز أنه جعل لها قابلية الخير وقابلية الشر، فكل غريزة لها حاجة معينة لأداء وظيفة محددة، فلا تسرف في حاجتها ولا تخرج عن أداء وظيفتها، فإذا تجاوزت حدودها انقلبت إلى آفة خطيرة على الإنسان نفسه وعلى المجتمع من حوله.
ومجموع هذه الغرائز الكامنة في الإنسان يشكل ما يسمى بالأخلاق الموصوف بها الإنسان، فالحب والكراهية والجوع والعطش والغضب والفرح والحزن والألم وغيرها، كلها تعبر عن أخلاق الإنسان من خلال ممارسته لها بالخير أو بالشر، فغريزة الغضب - الذي هو موضوع بحثنا - غريزة من هذه الغرائز وله وظيفة كبيرة في الدفاع عن حرمات الله وحقوق المسلمين وديارهم،
يقول الله تعالى :
(( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِين َ )) .
ولكنه إذا تحول إلى انتقام للذات، تحول إلى نار يحرق الأخضر واليابس، فعندها تفقد هذه الغريزة هدفها، وتضل طريقها، فكان لا بد من وضع علاج لها ودواء، لتفادي آثارها الوخيمة، فجاءت السنة النبوية المباركة والتي هي المكملة لكتاب الله، شخصت غريزة الغضب وعالجتها بأفعال وأقوال، لتبقى مكنونة في النفس، لا تظهر إلا في حالات معينة، وذلك حفاظًا على الود بين المسلمين ووحدة صفهم وقوته، وحفاظًا على الإنسان ذاته من أن يؤدي به هذا الغضب إلى نتائج لا تحمد عقباها.
نص الحديث
حدثني يحيى بن يوسف أخبرنا أبو بكر - هو ابن عباس –
عن أبي حصين عن أبي صالح «عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: لا تغضب، فردّد مرارًا، قال: لا تغضب ( رواه البخاري ).
الشرح
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب الأرض بجميع أنواعه - الأبيض منها والأسود ، والطيب والرديء ، والقاسي واللين - ، فنشأت نفوس ذرّيته متباينة الطباع ، مختلفة المشارب ، فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها ، ومن هذا المنطلق راعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في وصاياه للناس ، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه ، وما يعينه في تهذيب
نفسه وتزكيتها .
فها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتسابقون إليه كي يغنموا منه الكلمة الجامعة ، والتوجيه الرشيد ،
وكان منهم أبو الدرداء رضي الله عنه - كما جاء في بعض الروايات - ، فأقبل بنفس متعطشة إلى المربي العظيم ، يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة ، فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال له : ( لا تغضب ) .
وبهذه الكلمة الموجزة ، يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فالغضب جماع الشر ، ومصدر كل بليّة ، فكم مُزّقت به من صلات ، وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات ، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم .
إنه غليان في القلب ، وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ، فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، فبعد أن كان هادئا متزنا ، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان
الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء :
( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ) رواه أحمد ،
فإن الغضب إذا اعترى العبد ، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله ، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين
، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول :
" أول الغضب جنون ، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب " ، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما :
"مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب ؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم " ،
وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه :
"يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب ، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم "،
وقال آخر :
" ما تكلمت في غضبي قط ، بما أندم عليه إذا رضيت ".
ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه ، ما جاء في قوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } ( آل عمران : 134 ) ،
فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب : فمنهم من يكظم غيظه ، ويوقفه عند حده ، ومنهم من يعفوا عمن أساء إليه ، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه .
مفهوم الغضب
الغضب: ثوران في النفس يحملها على الرغبة في البطش والانتقام.
وقيل فيه أيضاً: إنه غليان دم القلب. ويظهر أثر هذا الغليان على الجوارح، كاحمرار الوجه، وانتفاخ الودجين، واحمرار العينين.
منشأ الغضب
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم»، فمنشأ الغضب من الشيطان، وبالرغم من أن الأطباء فسروها علميًا بتفاعلات كيميائية داخل الجسم، إلا أن هناك عامل آخر يدخل في هذه العملية الكيميائية ويحرّكها ويغذيها، وهو المسؤول الحقيقي عن حالة الغضب لدى الإنسان، هذا العامل هو الشيطان الذي لا يهدأ له بال بهدوء الإنسان واستقراره، وهذه حقيقة يجهلها كثير الناس بل كثير من الأخصائيين النفسانيين، فالحديث النبوي السابق يؤكد هذه الحقيقة بوضوح وجلاء، وإن جري الشيطان في عروق ابن آدم هو جري حقيقي لا مجازي، وهناك أحاديث كثيرة تعضد هذه الحقيقة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».
وفي حديث آخر يبين ويؤكد التفسير العلمي للغضب والأعراض التي تظهر على الإنسان أثناءه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء فليلصق بالأرض».
ويذهب كثير من أطباء النفس المعاصرين إلى أن مصدر الغضب عضوي وعصبي، لا علاقة له بالشيطان أو غيره، لذا فهذا النوع من الأطباء يبنون دراساتهم وتشخيصاتهم للمرضى على هذا الأساس، ولا يتجاوز علاجهم لهؤلاء المرضى العقاقير والمهدئات، وهي أدوية آنية سرعان ما ينتهي مفعولها ويرجع المريض النفسي إلى حالته المرضية بل وربما تزداد حالته سوءًا نتيجة تناول مثل هذه العقاقير والمهدئات التي صنعت للأمراض العضوية والبدنية، وليس لها علاقة بأمراض النفس وحالات الغضب التي تعتري الإنسان، فالنفس شيء آخر وبعيد كل البعد عن العضو المادي.
ثم لينظر هؤلاء المختصون أن هناك حالات كثيرة لبعض المرضى الذين يشتكون من آلام في الرأس أو في المفاصل أو في أي عضو آخر من جسم الإنسان، وبعد الفحوصات والتحاليل المخبرية، والصور الظليلية والمقطعية، يلاحظ أنه لا يوجد أي خلل عضوي في الجسم، ولا يوجد أثر للمرض فيه، ولا تزال الآلام والأوجاع في الجسم، ولا يزال المريض يشتكي من حاله، فبماذا نفسر مثل هذه الحالات، هل يكذب هذا المريض ويفتري على الأطباء؟ أم هي حقيقة يجب الاستسلام بها؟! لا شك إنها حقيقة لا مفر منها، وإنه الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، استطاع التمكن من الإنسان في لحظة انفعالية معينة، من غضب أو خوف أو حزن أو غيره، لذا يشعر هذا الإنسان بآلام بأطرافه أو مفاصله أو رأسه، لتأثير الوسواس الخناس فيه عندما وجد نقطة ضعف في هذا الجسم.
وقد أثبتت التجارب في الشرق والغرب أن معالجة الإنسان الغاضب بالعقاقير فقط خطأ جسيم، ونظرية قاصرة، وأن العلاج بالمعنويات هو السبيل الأنجع للحد من من حالة الغضب وغيره، حتى صار بعض الغربيين يعتمدون في العلاج على بعض أنواع الموسيقى، أو الرقص في مواجهة مشكلاتهم النفسية، ففروا من شيء ووقعوا في أشد منه.
ومن هنا كان واجبًا على أطباء الأعصاب وأطباء النفس أن يعوا حقيقة النفس البشرية وعلاقتها مع الشيطان وأن يدركوا أن منشأ الغضب ومصدره هو الوسواس الخناس التي يجري من ابن آدم مجرى الدم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا مناص من هذه الحقيقة ولا خلاص من المشكلة إلا بالربط بين الغضب أو أية حالة نفسية أخرى وبين الشيطان. فإذا عرف الداء، تعرف آثاره، ويعرف علاجه بإذن الله تعالى.
أنواع الغضـب
يمكن أن نقسم الغضب حسب ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة إلى نوعين، ولكل منهما حالاته ومقاماته وسلوكياته، وآثاره على النفس
والمجتمع، من سعادة أو شقاء، وهي كما يلي:
1- الغضب المحمود (الواجب)
وهو ما كان لله ولحرماته، ولم يكن للنفس فيه نصيب، ويكون هذا النوع من الغضب بسبب اعتداء على حرمة من حرمات الله، من هجمة على العقيدة أو خلل فيها، أو بدعة في أداء عبادة، أو قتل نفس مسلمة، أو أخذ مال بغير حق، أو اعتداء على أرض، أو انتهاك عرض، أو فشو معصية وغيرها من الحرمات والمحظورات التي نهي عنها في دين الله، ففي مثل هذه الحالات يكون الغضب واجبًا ومحمودًا،
يقول الله تعالى:
((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)).
وقال جل ذكره : ((يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
«ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى
يُنتهك من حرمات الله فينتقم لله».
وجاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم «كان أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه».
فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم - وهو القدوة والأسوة لنا في أمورنا كلها - لم يغضب لنفسه قط، ولم يضع للدنيا في خاطره شيئًا يساوم فيه الناس ويحاكمهم، وإنما كان غضبه إذا تجاوز فيه أحد حدًا من حدود الله أو تعدى إنسان على حرمة لله
والوعيد شديد للذي لا يغضب في هذه الحالات، يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون أن يغيروا فلا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب».
من هذا كله تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغضب وفي الوقت نفسه لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله لكن السؤال: ما حدود هذا الغضب؟ وهل هذا الغضب يخرج الإنسان عن القدرة على التوازن في التفكير، أو التعدي بالقول، أو العمل؟ لا شك أن المحلل لغضب النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف وهو بكاملعقله وتصرفاته؟
2- الغضب المذموم
وهو ما كان انتقامًا للنفس، وهذا الغضب تترتب عليه نتائج خطيرة على الإنسان ذاته وعلى مجتمعه، وهو الذي حذرنا منه الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ومناسبات عدة، كما في حديثنا الذي جعلناه منطلق الحديث.
والغضب كما سبق حالة نفسية وغريزة بشرية كسائر الغرائز التي أودعها الله في الإنسان، ولكن تأثيره على النفس البشرية يختلف من إنسان لآخر، وكذلك السلوك الذي يسلكه الإنسان عند الغضب يتباين من إنسان لآخر،
وصدق الله تعالى إذ قـال:
(( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا )) (( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ))،
فالنفس العامرة بتقوى الله تعالى وطاعته، والعارفة حدود الله، وما أعده الله للذين لا يتبعون طريق الشيطان ولا يخضعون للوسواس الخناس، هي النفس لا يؤثر فيها الغضب ذلك التأثير الجامح الذي يجعلها تتصرف بغير حكمة وعقل. وأما النفس التي خلت من الإيمان أو ضعف فيها وتمكن منها الشيطان فهي المناخ المناسب لأن يتفرخ فيها الشيطان ويوسوس لها ما يشاء ليضلها ضلالاً بعيدًا، وللغضب في هذه النفس مجال كبير ودور فاعل وعظيم، لأن لها قابلية لاستقبال أي انفعال أو مرض نفسي فتراها إذا غضبت، خرجت من طورها الطبيعي ويصبح الإنسان حينها كالمجنون تتغير ملامحه، ويلفظ بأسوأ الكلمات، ويتحول إلى ثورة من النار، لا تميزه من المجنون في هذه الحالة، وهذا ما دعا كثيرًا من علماء النفس أن يقولوا «بأن الغضب صنف من الجنون القصير المدى وإن الأعمال تجري في أثنائه بعد أن يتوقف العقل فما يعمل».
الآثار النفسية للغضب
أ - التوتر والقلق المرافقين للإنسان الذي يغضب كثيرًا هذا في اليقظة، أما في حالة النوم فتكثر الكوابيس عليه والأحلام المزعجة التي لا تدعه ينام بالشكل الكافي، مع عدم الراحة في النوم.
ب - عدم القدرة على إنجاز الأعمال لعدم القدرة على التركيز، والشعور بالتعب بسرعة، وكذا الشعور بالملل دائمًا.
ج - عدم إدراك الأشياء على حقيقتها، فتختلط معه الحقيقة بالخيال، والواقع بالأحلام، فربما يتخيل شيئًا ويظنه حقيقة يسعى إليها.
د - قصور في التفكير الصحيح، فالغاضب قد ينصاع لأتفه فكرة، أو يقتنع بأسوأ عقيدة.
هـ - انشغال الفكر بأشياء تافهة أو غير مهمة والبعد عن الأشياء المهمة فينشغل مثلاً بأن فلان عمل معي كذا وكذا، وفلان وقف مني كذا.. وكلها أوهام لا حقيقة لها.
ز - يرتب الغضبان على الأشياء التافهة مواقف ضخمة قد تؤدي به إلى نتائج خطيرة فيصور له الشيطان أن هذه الصغائر كبائر فيتعامل معها كذلك.
ح - حدوث أمراض نفسية كثيرة - كما سبقت الإشارة إليه في الآثار الصحية - وهذه الأمراض النفسية إن لم يتداركها صاحبها ويعرف العلة الحقيقية تزداد مع الزمن زيادة تشغله عن المهمات في هذه الحياة فتكدرها عليه فلا يستطيع أن يعمل بالبناء السليم في هذه الحياة، وإنما ينشغل تفكيره في نفسه المهلهلة.
علاج الغضب والوقاية منه
1 : اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء
فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على تزكيتها ، يقول الله تعالى :
{ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } ( غافر : 60 ) .
2 : التعوذ بالله من الشيطان الرجيم
فهو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب ، يقول الله تعالى :
{ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ( فصلت : 36 ) ،
وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه ، وانتفخت أوداجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إني لأعلم كلمة ، لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان ، ذهب عنه ما يجد ) ،
وعلى الغاضب أن يكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار ؛ فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب .
3 :الوضوء:
وهي وصفة نبوية تخفف من وطأة الغضب على الإنسان وتحد من ثورته، وتهدئ نفس الغاضب، وتخفض من حرارة جسمه المتوهجة نتيجة الانفعال، فدل الرسول عليه الصلاة والسلام الإنسان في حالة الغضب باللجوء إلى الوضوء، لأن الغضب من الشيطان المخلوق من النار، فالذي يطفئ النار هو الماء، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».
وقال عليه الصلاة والسلام في خطبة له: «ألا إن الغضب جمرة تتوقد في قلب ابن آدم». ومثل الوضوء؛ بل قد يكون أعظم وأجدى الغسل.
4:كظم الغيظ أثناء الغضب بالعفو وعدم الانتقام
لأن ذلك يقضي على بذور الفتن، ويفتح أبواب المحبة والتسامح بين الناس، ويسد أبواب الشيطان التي يمكن من خلالها أن يدخل بين المسلمين فيثير العداوات والبغضاء في صفوفهم، ثم إن لهذا الكظم والعفو أجراً عند الله عظيم، ورضواناً منه ومغفرة، يقول الله تعالى في تعداد صفات المتسابقين إلى الخيرات: ((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)).
والأحاديث الواردة في كظم الغيظ والعفو عن الناس كثيرة جدًا نذكر بعضًا منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيِّره أي الحور شاء».
وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله».
ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله».
5 : التطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه ، فمن ذلك ما رواه أبو داود بسند حسن ،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق ، حتى يخيره من أي الحور شاء ) .
6 : الإمساك عن الكلام ، ويغير من هيئته التي عليها ، بأن يقعد إذا كان واقفا ، ويضطجع إذا كان جالسا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود .
فما هي تأثيرات الغضب على جسم الإنسان ؟
و لماذا وصف لنا النبي عليه السلام هذا العلاج ؟
و كيف يؤثر الوقوف و الاضطجاع على الغضب ؟
هذه ثلاثة أسئلة للإجابة عليها لابّد أن نتوقف عند الغُدَّة الكظرية التي تقع فوق الكليتين ، و من وظائف هذه الغدة إفراز هرمون الأدرينالين و المودرينالين . فإن كان لديك اضطراب في نظم القلب فلا تغضب ، فهرمون الأدرينالين يمارس تأثيره على القلب فيسرع القلب في دقاته ، و قد يضطرب نظم القلب و يحيد عن طريقه السوي ، و لهذا فإن الانفعال و الغضب يسببان اضطراباً في ضربات القلب و كثيراً ما نشاهد من يشكو من الخفقان في القلب حينما يغضب أو ينفعل .
وإن كنت تشكو من ارتفاع في ضغط الدم فلا تغضب : فإن الغضب يرفع مستوى هذين الهرمونين في الدم ممل يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ، و الرسول صلى الله عليه و سلم يكررها ثلاثاً : " لا تغضب " و الأطباء ينصحون المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم أن يتجنبوا الانفعالات و الغضب . و إن كنت مصاباً بمرض في شرايين القلب فلا تغضب : لأنه يزيد من تقلُّص القلب و حركته ، و قد يهيئ ذلك لحدوث أزمة في القلب . و إن كنت مصاباً بالسكَّري فلا تغضب : فإن الأدرينالين يزيد من سُكّر الدم .
وقد ثبت علمياً أن هذه الهرمونات تنخفض بالاستلقاء كما قال صلى الله عليه و سلم : " إذا غضب أحدكم و هو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب و إلا فليضطجع
7 : الابتعاد عن كل ما ما يسبب الغضب ، والتفكر فيما يؤدي إليه.
8 : تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل ، في شتى شؤون الدنيا والدين .
9 : الإحسان إلى المسيء :
وهو أعلى درجات الإحسان، وهو امتثال حقيقي لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: «يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء».
ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «اتق الله حيثما ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن».
الإدارة المركزية لمنطقة الأزهر الإسماعيلية
معهد فتيات عمر بن عبدالعزيز النموذجي
إعدادي - ثانوي
الغضب وعلاجة
من السنة النبوية
الأخصائية النفسية
ولاء حسن علي ابراهيم
المقدمــة
الحمد لله الحليم التواب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خير من صلى وصام وتاب وأناب، وعلى الآل والأصحاب، والتابعين ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم المآب،
أما بعد:
فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، ثم جعل فيه نفسًا، وأودع في هذه النفس غرائز كثيرة، وجعل لهذه الغرائز وظائف ومهمات، لبقاء الإنسان وتمكنه من القيام بما يجب القيام به من الأعمال، وحكمة الله تعالى في هذه الغرائز أنه جعل لها قابلية الخير وقابلية الشر، فكل غريزة لها حاجة معينة لأداء وظيفة محددة، فلا تسرف في حاجتها ولا تخرج عن أداء وظيفتها، فإذا تجاوزت حدودها انقلبت إلى آفة خطيرة على الإنسان نفسه وعلى المجتمع من حوله.
ومجموع هذه الغرائز الكامنة في الإنسان يشكل ما يسمى بالأخلاق الموصوف بها الإنسان، فالحب والكراهية والجوع والعطش والغضب والفرح والحزن والألم وغيرها، كلها تعبر عن أخلاق الإنسان من خلال ممارسته لها بالخير أو بالشر، فغريزة الغضب - الذي هو موضوع بحثنا - غريزة من هذه الغرائز وله وظيفة كبيرة في الدفاع عن حرمات الله وحقوق المسلمين وديارهم،
يقول الله تعالى :
(( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِين َ )) .
ولكنه إذا تحول إلى انتقام للذات، تحول إلى نار يحرق الأخضر واليابس، فعندها تفقد هذه الغريزة هدفها، وتضل طريقها، فكان لا بد من وضع علاج لها ودواء، لتفادي آثارها الوخيمة، فجاءت السنة النبوية المباركة والتي هي المكملة لكتاب الله، شخصت غريزة الغضب وعالجتها بأفعال وأقوال، لتبقى مكنونة في النفس، لا تظهر إلا في حالات معينة، وذلك حفاظًا على الود بين المسلمين ووحدة صفهم وقوته، وحفاظًا على الإنسان ذاته من أن يؤدي به هذا الغضب إلى نتائج لا تحمد عقباها.
نص الحديث
حدثني يحيى بن يوسف أخبرنا أبو بكر - هو ابن عباس –
عن أبي حصين عن أبي صالح «عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: لا تغضب، فردّد مرارًا، قال: لا تغضب ( رواه البخاري ).
الشرح
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب الأرض بجميع أنواعه - الأبيض منها والأسود ، والطيب والرديء ، والقاسي واللين - ، فنشأت نفوس ذرّيته متباينة الطباع ، مختلفة المشارب ، فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها ، ومن هذا المنطلق راعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في وصاياه للناس ، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه ، وما يعينه في تهذيب
نفسه وتزكيتها .
فها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتسابقون إليه كي يغنموا منه الكلمة الجامعة ، والتوجيه الرشيد ،
وكان منهم أبو الدرداء رضي الله عنه - كما جاء في بعض الروايات - ، فأقبل بنفس متعطشة إلى المربي العظيم ، يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة ، فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال له : ( لا تغضب ) .
وبهذه الكلمة الموجزة ، يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فالغضب جماع الشر ، ومصدر كل بليّة ، فكم مُزّقت به من صلات ، وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات ، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم .
إنه غليان في القلب ، وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ، فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، فبعد أن كان هادئا متزنا ، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان
الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء :
( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ) رواه أحمد ،
فإن الغضب إذا اعترى العبد ، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله ، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين
، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول :
" أول الغضب جنون ، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب " ، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما :
"مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب ؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم " ،
وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه :
"يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب ، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم "،
وقال آخر :
" ما تكلمت في غضبي قط ، بما أندم عليه إذا رضيت ".
ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه ، ما جاء في قوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } ( آل عمران : 134 ) ،
فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب : فمنهم من يكظم غيظه ، ويوقفه عند حده ، ومنهم من يعفوا عمن أساء إليه ، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه .
مفهوم الغضب
الغضب: ثوران في النفس يحملها على الرغبة في البطش والانتقام.
وقيل فيه أيضاً: إنه غليان دم القلب. ويظهر أثر هذا الغليان على الجوارح، كاحمرار الوجه، وانتفاخ الودجين، واحمرار العينين.
منشأ الغضب
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم»، فمنشأ الغضب من الشيطان، وبالرغم من أن الأطباء فسروها علميًا بتفاعلات كيميائية داخل الجسم، إلا أن هناك عامل آخر يدخل في هذه العملية الكيميائية ويحرّكها ويغذيها، وهو المسؤول الحقيقي عن حالة الغضب لدى الإنسان، هذا العامل هو الشيطان الذي لا يهدأ له بال بهدوء الإنسان واستقراره، وهذه حقيقة يجهلها كثير الناس بل كثير من الأخصائيين النفسانيين، فالحديث النبوي السابق يؤكد هذه الحقيقة بوضوح وجلاء، وإن جري الشيطان في عروق ابن آدم هو جري حقيقي لا مجازي، وهناك أحاديث كثيرة تعضد هذه الحقيقة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».
وفي حديث آخر يبين ويؤكد التفسير العلمي للغضب والأعراض التي تظهر على الإنسان أثناءه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء فليلصق بالأرض».
ويذهب كثير من أطباء النفس المعاصرين إلى أن مصدر الغضب عضوي وعصبي، لا علاقة له بالشيطان أو غيره، لذا فهذا النوع من الأطباء يبنون دراساتهم وتشخيصاتهم للمرضى على هذا الأساس، ولا يتجاوز علاجهم لهؤلاء المرضى العقاقير والمهدئات، وهي أدوية آنية سرعان ما ينتهي مفعولها ويرجع المريض النفسي إلى حالته المرضية بل وربما تزداد حالته سوءًا نتيجة تناول مثل هذه العقاقير والمهدئات التي صنعت للأمراض العضوية والبدنية، وليس لها علاقة بأمراض النفس وحالات الغضب التي تعتري الإنسان، فالنفس شيء آخر وبعيد كل البعد عن العضو المادي.
ثم لينظر هؤلاء المختصون أن هناك حالات كثيرة لبعض المرضى الذين يشتكون من آلام في الرأس أو في المفاصل أو في أي عضو آخر من جسم الإنسان، وبعد الفحوصات والتحاليل المخبرية، والصور الظليلية والمقطعية، يلاحظ أنه لا يوجد أي خلل عضوي في الجسم، ولا يوجد أثر للمرض فيه، ولا تزال الآلام والأوجاع في الجسم، ولا يزال المريض يشتكي من حاله، فبماذا نفسر مثل هذه الحالات، هل يكذب هذا المريض ويفتري على الأطباء؟ أم هي حقيقة يجب الاستسلام بها؟! لا شك إنها حقيقة لا مفر منها، وإنه الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، استطاع التمكن من الإنسان في لحظة انفعالية معينة، من غضب أو خوف أو حزن أو غيره، لذا يشعر هذا الإنسان بآلام بأطرافه أو مفاصله أو رأسه، لتأثير الوسواس الخناس فيه عندما وجد نقطة ضعف في هذا الجسم.
وقد أثبتت التجارب في الشرق والغرب أن معالجة الإنسان الغاضب بالعقاقير فقط خطأ جسيم، ونظرية قاصرة، وأن العلاج بالمعنويات هو السبيل الأنجع للحد من من حالة الغضب وغيره، حتى صار بعض الغربيين يعتمدون في العلاج على بعض أنواع الموسيقى، أو الرقص في مواجهة مشكلاتهم النفسية، ففروا من شيء ووقعوا في أشد منه.
ومن هنا كان واجبًا على أطباء الأعصاب وأطباء النفس أن يعوا حقيقة النفس البشرية وعلاقتها مع الشيطان وأن يدركوا أن منشأ الغضب ومصدره هو الوسواس الخناس التي يجري من ابن آدم مجرى الدم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا مناص من هذه الحقيقة ولا خلاص من المشكلة إلا بالربط بين الغضب أو أية حالة نفسية أخرى وبين الشيطان. فإذا عرف الداء، تعرف آثاره، ويعرف علاجه بإذن الله تعالى.
أنواع الغضـب
يمكن أن نقسم الغضب حسب ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة إلى نوعين، ولكل منهما حالاته ومقاماته وسلوكياته، وآثاره على النفس
والمجتمع، من سعادة أو شقاء، وهي كما يلي:
1- الغضب المحمود (الواجب)
وهو ما كان لله ولحرماته، ولم يكن للنفس فيه نصيب، ويكون هذا النوع من الغضب بسبب اعتداء على حرمة من حرمات الله، من هجمة على العقيدة أو خلل فيها، أو بدعة في أداء عبادة، أو قتل نفس مسلمة، أو أخذ مال بغير حق، أو اعتداء على أرض، أو انتهاك عرض، أو فشو معصية وغيرها من الحرمات والمحظورات التي نهي عنها في دين الله، ففي مثل هذه الحالات يكون الغضب واجبًا ومحمودًا،
يقول الله تعالى:
((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)).
وقال جل ذكره : ((يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
«ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى
يُنتهك من حرمات الله فينتقم لله».
وجاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم «كان أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه».
فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم - وهو القدوة والأسوة لنا في أمورنا كلها - لم يغضب لنفسه قط، ولم يضع للدنيا في خاطره شيئًا يساوم فيه الناس ويحاكمهم، وإنما كان غضبه إذا تجاوز فيه أحد حدًا من حدود الله أو تعدى إنسان على حرمة لله
والوعيد شديد للذي لا يغضب في هذه الحالات، يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون أن يغيروا فلا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب».
من هذا كله تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغضب وفي الوقت نفسه لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله لكن السؤال: ما حدود هذا الغضب؟ وهل هذا الغضب يخرج الإنسان عن القدرة على التوازن في التفكير، أو التعدي بالقول، أو العمل؟ لا شك أن المحلل لغضب النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف وهو بكاملعقله وتصرفاته؟
2- الغضب المذموم
وهو ما كان انتقامًا للنفس، وهذا الغضب تترتب عليه نتائج خطيرة على الإنسان ذاته وعلى مجتمعه، وهو الذي حذرنا منه الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، ومناسبات عدة، كما في حديثنا الذي جعلناه منطلق الحديث.
والغضب كما سبق حالة نفسية وغريزة بشرية كسائر الغرائز التي أودعها الله في الإنسان، ولكن تأثيره على النفس البشرية يختلف من إنسان لآخر، وكذلك السلوك الذي يسلكه الإنسان عند الغضب يتباين من إنسان لآخر،
وصدق الله تعالى إذ قـال:
(( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا )) (( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ))،
فالنفس العامرة بتقوى الله تعالى وطاعته، والعارفة حدود الله، وما أعده الله للذين لا يتبعون طريق الشيطان ولا يخضعون للوسواس الخناس، هي النفس لا يؤثر فيها الغضب ذلك التأثير الجامح الذي يجعلها تتصرف بغير حكمة وعقل. وأما النفس التي خلت من الإيمان أو ضعف فيها وتمكن منها الشيطان فهي المناخ المناسب لأن يتفرخ فيها الشيطان ويوسوس لها ما يشاء ليضلها ضلالاً بعيدًا، وللغضب في هذه النفس مجال كبير ودور فاعل وعظيم، لأن لها قابلية لاستقبال أي انفعال أو مرض نفسي فتراها إذا غضبت، خرجت من طورها الطبيعي ويصبح الإنسان حينها كالمجنون تتغير ملامحه، ويلفظ بأسوأ الكلمات، ويتحول إلى ثورة من النار، لا تميزه من المجنون في هذه الحالة، وهذا ما دعا كثيرًا من علماء النفس أن يقولوا «بأن الغضب صنف من الجنون القصير المدى وإن الأعمال تجري في أثنائه بعد أن يتوقف العقل فما يعمل».
الآثار النفسية للغضب
أ - التوتر والقلق المرافقين للإنسان الذي يغضب كثيرًا هذا في اليقظة، أما في حالة النوم فتكثر الكوابيس عليه والأحلام المزعجة التي لا تدعه ينام بالشكل الكافي، مع عدم الراحة في النوم.
ب - عدم القدرة على إنجاز الأعمال لعدم القدرة على التركيز، والشعور بالتعب بسرعة، وكذا الشعور بالملل دائمًا.
ج - عدم إدراك الأشياء على حقيقتها، فتختلط معه الحقيقة بالخيال، والواقع بالأحلام، فربما يتخيل شيئًا ويظنه حقيقة يسعى إليها.
د - قصور في التفكير الصحيح، فالغاضب قد ينصاع لأتفه فكرة، أو يقتنع بأسوأ عقيدة.
هـ - انشغال الفكر بأشياء تافهة أو غير مهمة والبعد عن الأشياء المهمة فينشغل مثلاً بأن فلان عمل معي كذا وكذا، وفلان وقف مني كذا.. وكلها أوهام لا حقيقة لها.
ز - يرتب الغضبان على الأشياء التافهة مواقف ضخمة قد تؤدي به إلى نتائج خطيرة فيصور له الشيطان أن هذه الصغائر كبائر فيتعامل معها كذلك.
ح - حدوث أمراض نفسية كثيرة - كما سبقت الإشارة إليه في الآثار الصحية - وهذه الأمراض النفسية إن لم يتداركها صاحبها ويعرف العلة الحقيقية تزداد مع الزمن زيادة تشغله عن المهمات في هذه الحياة فتكدرها عليه فلا يستطيع أن يعمل بالبناء السليم في هذه الحياة، وإنما ينشغل تفكيره في نفسه المهلهلة.
علاج الغضب والوقاية منه
1 : اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء
فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على تزكيتها ، يقول الله تعالى :
{ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } ( غافر : 60 ) .
2 : التعوذ بالله من الشيطان الرجيم
فهو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب ، يقول الله تعالى :
{ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ( فصلت : 36 ) ،
وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه ، وانتفخت أوداجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إني لأعلم كلمة ، لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان ، ذهب عنه ما يجد ) ،
وعلى الغاضب أن يكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار ؛ فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب .
3 :الوضوء:
وهي وصفة نبوية تخفف من وطأة الغضب على الإنسان وتحد من ثورته، وتهدئ نفس الغاضب، وتخفض من حرارة جسمه المتوهجة نتيجة الانفعال، فدل الرسول عليه الصلاة والسلام الإنسان في حالة الغضب باللجوء إلى الوضوء، لأن الغضب من الشيطان المخلوق من النار، فالذي يطفئ النار هو الماء، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».
وقال عليه الصلاة والسلام في خطبة له: «ألا إن الغضب جمرة تتوقد في قلب ابن آدم». ومثل الوضوء؛ بل قد يكون أعظم وأجدى الغسل.
4:كظم الغيظ أثناء الغضب بالعفو وعدم الانتقام
لأن ذلك يقضي على بذور الفتن، ويفتح أبواب المحبة والتسامح بين الناس، ويسد أبواب الشيطان التي يمكن من خلالها أن يدخل بين المسلمين فيثير العداوات والبغضاء في صفوفهم، ثم إن لهذا الكظم والعفو أجراً عند الله عظيم، ورضواناً منه ومغفرة، يقول الله تعالى في تعداد صفات المتسابقين إلى الخيرات: ((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)).
والأحاديث الواردة في كظم الغيظ والعفو عن الناس كثيرة جدًا نذكر بعضًا منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيِّره أي الحور شاء».
وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما من جرعة أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله».
ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله».
5 : التطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه ، فمن ذلك ما رواه أبو داود بسند حسن ،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق ، حتى يخيره من أي الحور شاء ) .
6 : الإمساك عن الكلام ، ويغير من هيئته التي عليها ، بأن يقعد إذا كان واقفا ، ويضطجع إذا كان جالسا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود .
فما هي تأثيرات الغضب على جسم الإنسان ؟
و لماذا وصف لنا النبي عليه السلام هذا العلاج ؟
و كيف يؤثر الوقوف و الاضطجاع على الغضب ؟
هذه ثلاثة أسئلة للإجابة عليها لابّد أن نتوقف عند الغُدَّة الكظرية التي تقع فوق الكليتين ، و من وظائف هذه الغدة إفراز هرمون الأدرينالين و المودرينالين . فإن كان لديك اضطراب في نظم القلب فلا تغضب ، فهرمون الأدرينالين يمارس تأثيره على القلب فيسرع القلب في دقاته ، و قد يضطرب نظم القلب و يحيد عن طريقه السوي ، و لهذا فإن الانفعال و الغضب يسببان اضطراباً في ضربات القلب و كثيراً ما نشاهد من يشكو من الخفقان في القلب حينما يغضب أو ينفعل .
وإن كنت تشكو من ارتفاع في ضغط الدم فلا تغضب : فإن الغضب يرفع مستوى هذين الهرمونين في الدم ممل يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ، و الرسول صلى الله عليه و سلم يكررها ثلاثاً : " لا تغضب " و الأطباء ينصحون المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم أن يتجنبوا الانفعالات و الغضب . و إن كنت مصاباً بمرض في شرايين القلب فلا تغضب : لأنه يزيد من تقلُّص القلب و حركته ، و قد يهيئ ذلك لحدوث أزمة في القلب . و إن كنت مصاباً بالسكَّري فلا تغضب : فإن الأدرينالين يزيد من سُكّر الدم .
وقد ثبت علمياً أن هذه الهرمونات تنخفض بالاستلقاء كما قال صلى الله عليه و سلم : " إذا غضب أحدكم و هو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب و إلا فليضطجع
7 : الابتعاد عن كل ما ما يسبب الغضب ، والتفكر فيما يؤدي إليه.
8 : تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل ، في شتى شؤون الدنيا والدين .
9 : الإحسان إلى المسيء :
وهو أعلى درجات الإحسان، وهو امتثال حقيقي لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: «يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء».
ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «اتق الله حيثما ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن».